فصل: الخبر عن بني أرتنا ملوك بلاد الروم من المغل بعد بني هلاكو

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


 الخبر عن بني أرتنا ملوك بلاد الروم من المغل بعد بني هلاكو

والإلمام بمبادئ أمورهم ومصايرهم قد سبق لنا أن هذه المملكة كانت لبني قليج أرسلان من ملوك السلجوقية وهم الذين أقاموا فيها دعوة الإسلام وانتزعوها من يد ملوك الروم أهل قسطنطينية واستضافوا إليها كثيراً من أعمال الأرض ومن ديار بكر فانفسحت أعمالهم وعظمت ممالكهم‏.‏ وكان كرسيهم بقونية ومن أعمالهم أقصر وإنطاكية والعلايا وطغرل ودمرلو وقراحصار‏.‏ ومن ممالكهم أذربيجان ومن أعمالها أقشهر وكامخ وقلعة كعونية ومن ممالكهم قيسارية ومن أعمالها نكرة وعداقلية ومنال‏.‏ ومن ممالكهم أيضاً سيواس وأعمالها ملكوها من يد الوانشمند كما مر في أخبارهم ومن أعمالها نكسار وأقاسية وتوقات وقمنات وكنكرة كورية وسامسون وصغوى وكسحونية وطرخلوا وبرلوا‏.‏ ومما استضافوه من بلاد الأرمن خلاط وأرمينية الكبرى واني وسلطان وأرجيس وأعمالها‏.‏ ومن ديار بكر خرت برت وملطية وسميساط ومسارة فكانت لهم هذه الأعمال وما يتصل بها من الشمال إلى مدينة بورصة ثم إلى خليج القسطنطينية‏.‏ واستفحل ملكهم فيها وعظمت دولتهم‏.‏ ثم طرقها الهرم والفشل كما يطرق الدول‏.‏ ولما استولى التتر على ممالك الإسلام وورثوا الدول في سائر النواحي واستقر التخت الأعظم لمنكوفان أخي هلاكو‏.‏ وجهز عساكر المغل سنة أربع وخمسين وستمائة إلى هذه البلاد وعليهم بيكو من أكابر أمرائهم‏.‏ وعلى بلاد الروم يومئذ غياث الدين كنخسرو بن علاء الدين كيقباد وهو الثاني عشر من ملوكهم من ولد قطلمش فنزلوا على أرزن الروم وبها سنان الدين ياقوت مولى علاء الدين فملكوها بعد حصار شهرين واستباحوها‏.‏ وتقدموا أمامهم ولقيهم غياث الدين بالصحراء على أقشهر وزنجان وانهزم غياث الدين واحتمل ذخيرته وعياله ولحق بقونية واستولى بيكو على مخلفه‏.‏ ثم سار إلى قيسارية فملكوها‏.‏ وهلك غياث الدين أثر ذلك وملك بعده ابنه علاء وعاثت عساكر التتر في البلاد فسار علاء الدين كيقباد إلى منكوفان صاحب التخت واختلف أخواه من بعده وغلب عز الدين كيكاوس واعتقل أخاه ركن الدين بقونية وبعث في أثر أخيه علاء الدين من يستفسد له منكوفان فلم يحصل من ذلك على طائل‏.‏ وهلك علاء الدين في طريقه وكتب منكوفان بتشريك الملك بين عز الدين وركن الدين والبلاد بينهما مقسومة فلعز الدين من سيواس إلى تخوم القسطنطينية ولركن الدين من سيواس إلى أرزن الروم متصلاً من جهة الشرق ببلاد التتر‏.‏ وأفرج عز الدين عن ركن الدين واستقر في طاعة التتر‏.‏ وسار بيكو في بلاد الروم قبل أن يرجع عز الدين فلقيه أرسلان دغمش من أمراء عز الدين فهزمه بيكو إلى قونية فأجفل عنها عز الدين إلى العلايا وحاصرها بيكو فملكها على يد خطيبها‏.‏ وخرج إلى بيكو فأسلمت زوجته على يده ومنع التتر من دخولها إلا وحداناً وأن لا يتعرضوا لأحد‏.‏ واستقر عز الدين وركن الدين في طاعة التتر ولهما اسم الملك والحكم للشحنة بيكو‏.‏ ولما زحف هلاكو إلى بغداد سنة ست وخمسين استنفر بيكو وعساكره فامتنع واعتذر بمن في طريقه من طوائف الأكراد الفراسيلية والباروقية فبعث إليه هلاكو العساكر ومروا بأذربيجان وقد أجفل أهلها وهم قوم من الأكراد فملكوها‏.‏ وساروا مع بيكو إلى هلاكو وحضروا معه فتح بغداد وما بعدها‏.‏ ولما نزل هلاكو حلب استدعى عز الدين وركن الدين فحضرا معه فتحها وحضر معهما وزيرهما معين الدين سليمان البرواناة واستحسنه هلاكو وتقدم إلى ركن الدين بأن يكون السفير إليه عنه فلم يزل على ذلك‏.‏ ثم هلك بيكو مقدم التتر ببلاد الروم وولى مكانه صمقار من أمراء المغل‏.‏ ثم اختلف الأميران عز الدين وغياث الدين سنة تسع وخمسين واستولى عز الدين على أعمال ركن الدين فسار ومعه البرواناة إلى هلاكو صريخاً فأمده بالعساكر وسار إلى عز الدين فهزمهم واستمده ثانياً فأمده هلاكو وانهزم عز الدين فلحق بالقسطنطينية وأقام عند صاحبها لشكري واستولى ركن الدين قليج أرسلان على بلاد الروم وامتنع التركمان الذين بتلك الأعمال بأطراف الأعمال والثغور والسواحل‏.‏ وطلبوا الولاية من هلاكو فولاهم وأعطاهم الله الملك فهم الملوك بها من يومئذ كما يأتي في أخبارهم إن شاء الله تعالى‏.‏ وأقام عز الدين بالقسطنطينية وأراد التوثب بصاحبها لشكري ووشى به أخواله من الروم فاعتقله لشكري في بعض قلاعه ثم هلك‏.‏ ويقال إن ملك الشمال منكوتمر صاحب التخت بصراي حدثت بينه وبين صاحب القسطنطينية فتنة فغزاه واكتسح بلاده ومر بالقلعة التي بها عز الدين معتقلاً فاحتمله معه إلى صراي وهلك عنده‏.‏ ولحق ابنه مسعود بعد ذلك بابغا بن هلاكو فأكرمه وولاه على بعض القلاع ببلاد الروم‏.‏ ثم إن معين الدين سليمان البرواناة ارتاب بركن الدين فقتله غيلة سنة ست وستين ونضب ابنه كنخسرو للملك ولقبه غياث الدين وكان متغلباً عليه مقيماً مع ذلك على طاعة التتر‏.‏ وربما كان يستوحش منهم فيكاتب سلطان مصر بالدخول في طاعته واطلع أبغا على كتابه بذلك إلى الظاهر بيبرس فنكره‏.‏ وهلك صمغار الشحنة فبعث أبغا مكانه أميرين من أمراء المغل وهما تدوان وتوقر فتقدما سنة خمس وسبعين إلى بلاد الشام ونزلا بأبلستين ومعهما غياث الدين كنخسرو وكافله البرواناة في العساكر‏.‏ وسار الظاهر من دمشق فلقيهم بأبلستين وقد قعد البرواناة لما كان تواعد مع الظاهر عليه‏.‏ وهزمهما الظاهر جميعاً وقتل الأميرين تداون وتوقر في جماعة من التتر‏.‏ ونجا البرواناة وسلطانه فلم يصب منهم أحد واستراب السلطان بالبرواناة لذلك‏.‏ وملك الظاهر قيسارية كرسي بلاد الروم وعاد إلى مصر‏.‏ وجاء أبغا ووقف على مكان الملحمة ورأى مصارع قومه فصدق الريبة بممالأة الظاهر والبرواناة وأصحابه فاكتسح البلاد وخربها ورجع‏.‏ ثم استدعى البرواناة إلى معسكره فقتله وأقام مكانه في كفالة كنخسرو أخاه عز الدين محمداً‏.‏ ولم يزل غياث الدين والياً على بلاد الروم والشحنة من المغل حاكم في البلاد إلى أن ولي تكدار بن هلاكو وكان أخوه قنقرطاي مقيماً ببلاد الروم مع صمغار فبعث عنه وامتنع من الوصول فأوعز إلى غياث الدين واعتقله بارزنكان وولى على بلاد الروم على الشحنة أولاكو من أمراء المغل وذلك سنة إحدى وثمانين‏.‏ ويقال أن أرغو بن أبغا هو الذي ولى أولاكو شحنة ببلاد الروم بعد صمغار وأن تدوان وتوقر إنما بعث بهما أبغا لقتال الظاهر ولم يرسلهما شحنة‏.‏ ثم أقام مسعود بن عز الدين كيكاوس في سلطانه ببلاد الروم والحكم لشحنة التتر وليس له من الملك إلا اسمه إلى أن افترق واضمحل أمره‏.‏ وبقي أمراء المغل يتعاقبون في الشحنة ببلاد الروم وكان منهم أول المائة الثامنة الأمير علي وهو الذي قتل ملك الأرمن هيشوش بن ليعون صاحب سيس واستعدى أخوه عليه بخربندا فأعداه وقتله كما مر في أخبار الأرمن في دولة الترك‏.‏ وكان منهم سنة عشرين وسبعمائة الأمير ألبغا‏.‏ ثم ولى السلطان أبو سعيد على بلاد الروم دمرداش بن جوبان سنة ثلاث وعشرين واستفحل بها ملكه وجاهد الأرمن بسيس‏.‏ واستمد الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر عليهم فأمده بالعساكر وافتتحوا إياس عنوة ورجعوا‏.‏ ثم نكب السلطان أبو سعيد نائبه جوبان بن بروان وقتله كما مر في أخبارهم‏.‏ وبلغ الخبر إلى دمرداش ابنه ببلاد الروم فاضطرب لذلك ولحق بمصر في عساكره وأمرائه فأقبل السلطان عليه وتلقاه بالتكرمة والإيثار‏.‏ وجاءت رسل أبي سعيد في اتباعه تطلب حكم الله تعالى فيه بسعيه في الفساد وإثارة الفتنة على أن يفعل مثل ذلك في قرا سنقر النازع إليهم من أمراء الشام فقتلوه وقتل دمرداش بمصر وذهبا بما كسبا‏.‏ وكان دمرداش لما هرب من بلاد الروم إلى مصر ترك من أمرائه أرتنا وكان يسمى النوير اسم أبناء الملوك فبعث إلى أبي سعيد بطاعته فولاه على البلاد فملكها‏.‏ ونزل سيواس واتخذها كرسي ملكه‏.‏ ثم استبد حسن بن دمرداش بتوريز فبايع له أرتنا‏.‏ ثم انتقض وكاتب الملك الناصر صاحب مصر ودخل في طاعته وبعث إليه بالولاية والخلع فجمع له حسن بن دمرداش وسار إليه بسيواس‏.‏ وسار أرتنا للقائه بصحراء كسينوك وهزمه وأسر جماعة من أمرائه وذلك سنة أربع وأربعين‏.‏ واستفحل ملك أرتنا من يومئذ وعجز جوبان وحسن بن دمرداش عن طلبه إلى أن توفي سنة ثلاث وخمسين‏.‏ وأما بنوه من بعده فلا أدري من ملك منهم ولا ترتيب ولايتهم إلا أنه وقع في أخبار الترك أن السلطان أوعز سنة ست وستين إلى نائب حلب أن يسير في العساكر لإنجاد محمد بك بن أرتنا فمضوا وظفروا‏.‏ وما زال أرتنا وبنوه مستبدين بلاد الروم وأعمالها‏.‏ واقتطع لهم التركمان منها بلاد الأرمن سيس وما إليها فاستولى عليها بنو دلقادر على خلافة وزحفوا إليه وهي في أيديهم لهذا العهد‏.‏ ولما خالف سعاروس من أمراء الترك سنة اثنتين وخمسين ظاهره قراجا بن دلقادر على خلافه وزحف إليه السلطان من مصر فافترقت جموعه واتبعته العساكر فقتل‏.‏ وبعث السلطان سنة أربع وخمسين عسكرا في طلب قراجا فساروا إلى البلستين وأجفل عنها نائبها فنهبوا أحياءه ولحق هو بابن أرتنا بسيواس فقبض عليه وبعث به إلى السلطان بمصر فقتله‏.‏ واقتطع التركمان ناحية الشمال من أعمالهم إلى القسطنطينية وأثخنوا في أمم النصرانية وراءهم واستولوا على كثير من تلك الممالك وراء القسطنطينية وأميرهم لهذا العهد في عداد الملوك الأعاظم ودولتهم ناشئة متجددة‏.‏ وكان صبياً بسيواس منذ أعوام الثمانين وهو من أعقاب بني أرتنا فاستبد عليه قاضي البلد لما كان كافلاً له بوصية أبيه‏.‏ ثم قتل القاضي ذلك الصبي أعوام اثنتين وتسعين واستبد بذلك الملك‏.‏ وكانت هناك أحياء التتر يناهزون ثلاثين ألفاً أو نحوها مقيمين بتلك النواحي‏.‏ ملكهم دمرداش بن جوبان ومن قبله من أمراء المغل فكانوا شيعة لبني أرتنا وعصابة لهم وهم الذين استنجد بهم القاضي حين وجهت إليه عساكر مصر في طلب منطاش الثائر الذي فر ثم لحق به وسارت عساكر مصر في طلبه سنة تسع وثمانين فاستنجد القاضي بأحياء التتر هؤلاء وجاؤوا لإنجاده‏.‏ ورجعت عساكر مصر عنهم كما تقدم ذلك كله في أخبار الترك والحال على ذلك لهذا العهد والله مصير الأمور بحكمته وهو على كل شيء قدير‏.‏ إبراهيم بن محمد بك بن أرتنا النوير عامل أبي سعيد على بلاد الروم‏.‏ في شمال بلاد الروم إلى خليج القسطنطينية وما وراءه لبني عثمان وأخوته قد تقدم لنا في أنساب العالم ذكر هؤلاء التركمان وإنهم من ولد يافث بن نوح أي من توغرما بن كومر بن يافث كذا وقع في التوراة وذكر الفيومي من علماء بني إسرائيل ونسابتهم أن توغرما هم التركمان أخوة الترك ومواطنهم فيما وجدناه من بحر طبرستان ويسمى بحر الخزر إلى جوفي القسطنطينية وشرقها إلى ديار بكر‏.‏ وبعد انقراض العرب والأرمن ملكوا نواحي الفرات من أوله إلى مصبه في دجلة وهم شعوب متفرقون وأحياء مختلفون لا يحصرهم الضبط ولا يحويهم العد‏.‏ وكان منهم ببلاد الروم جموع مستكثرة كان ملوكها يستكثرون بهم في حروبهم مع أعدائهم‏.‏ وكان كبيرهم فيها لعهد المائة الرابعة جق وكانت أحياؤهم متوافرة وأعدادهم متكاثرة‏.‏ ولما ملك سليمان بن قطلمش قونية بعد أبيه وفتح إنطاكية سنة سبع وسبعين من يد الروم طالبه مسلم بن قريش بما كان له على الروم فيها من الجزية فأنف من ذلك وحدثت بينهما الفتنة‏.‏ وجمع قريش العرب والتركمان مع أميرهم جق وسار إلى حرب سليمان بإنطاكية فلما التقيا مال التركمان إلى سليمان لعصبية الترك وانهزم مسلم بن قريش وقتل‏.‏ وأقام أولئك التركمان ببلاد الروم أيام بني قطلمش موطنين بالجبال والسواحل‏.‏ ولما ملك التتر ببلاد الروم وأبقوا على بني قطلمش ملكهم وولوا ركن الدولة قليج أرسلان بعد أن غلب أخوه عز الدين كيكاوس وهرب إلى القسطنطينية‏.‏ وكان أمراء هؤلاء التركمان يومئذ محمد بك وأخاه إلياس بك وصهره علي بك وقريبه سونج والظاهر أنهم من بني جق فانتقضوا على ركن الدولة وبعثوا إلى هلاكو بطاعتهم وتقرير الأثر عليهم وأن يبعث إليهم باللواء على العادة وأن يبعث شحنة من التتر يختص بهم فأسعفهم بذلك وقلدهم وهم من يومئذ ملوك بها‏.‏ ثم أرسل هلاكو إلى محمد بك الأمير يستدعيه فامتنع من المسير إليه واعتذر فأوعز هلاكو إلى الشحنة الذي ببلاد الروم وإلى السلطان قليج أرسلان بمحاربته فساروا إليه وحاربوه ونزع عنه صهره علي بك‏.‏ ووفد على هلاكو فقدمه مكان محمد صهره‏.‏ ولقي محمد العساكر فانهزم وأبعد في المفر‏.‏ ثم جاء إلى قليج أرسلان مستأمناً فأمنه وسار معه إلى قونية فقتله واستقر صهره علي بك أميراً على التركمان وفتحت عساكر التتر نواحي بلاد الروم إلى اسطنبول‏.‏ والظاهر أن بني عثمان ملوكهم لهذا العهد من أعقاب علي بك أو أقاربه يشهد بذلك اتصال هذه الإمارة فيهم مدة هذه المائة سنة‏.‏ ولما اضمحل أمر التتر من بلاد الروم واستقر بنو أرتنا بسيواس وأعمالها غلب هؤلاء التركمان على ما وراء الدروب إلى خليج القسطنطينية ونزل ملكهم مدينة بورصة من تلك الناحية وكان يسمى أورخان بن عثمان جق فاتخذها داراً لملكهم ولم يفارق الخيام إلى القصور وإنما ينزل بخيامه في بسيطها وضواحيها وولي بعده ابنه مراد بك وتوغل في بلاد النصرانية وراء الخليج وافتتح بلادهم إلى قريب من خليج البنادقة وجبال جنوة وصار أكثرهم ذمة ورعايا‏.‏ وعاث في بلاد الصقالبة بما لم يعهد لمن قبله وأحاط بالقسطنطينية من جميع نواحيها حتى اعتقل ملكها من أعقاب لشكري‏.‏ وطلب منه الذمة وأعطاه الجزية ولم يزل على جهاد أمم النصرانية وراءه إلى أن قتله الصقالبة في حروبه معهم سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وولى ابنه أبو يزيد وهو ملكهم لهذا العهد‏.‏ وقد استفحل ملكهم واستجدت بالعز دولتهم وكان قد غلب على قطعة من بلاد الروم ما بين سيواس وبلادهم من إنطاكية والعلايا بحيال البحر إلى قونية بنو قرمان من أمراء التركمان وهم الذين كانوا في حدود أرمينية وجدهم هو الذي هزم هيشوش بن ليعون ملك سيس من الأرمن سنة عشرين وسبعمائة‏.‏ ثم كان بين بني عثمان جق وبين بني قرمان اتصال ومصاهرة وكان ابن قرمان لهذا العهد صهر السلطان مراد بك على أخته فغلبه السلطان مراد بك على ما بيده ودخل ابن قرمون صاحب العلايا في طاعته بل والتركمان كلهم‏.‏ وفتح سائر البلاد ولم يبق له إلا سيواس بلد بني أرتنا في استبداد القاضي الذي عليها وما أدري ما الله صانع بعد ظهور هذا الملك تمر المتغلب على ملك المغل من بني جفطاي بن جنكز خان‏.‏ وملك ابن عثمان لهذا العهد مستفحل بتلك الناحية الشمالية ومتسع في أقطارها ومرهوب عند أمم النصرانية هنالك ودولته مستجدة عزيزة على تلك الأمم والأحياء والله غالب على أمره‏.‏ وإلى هنا انتهت أخبار الطبقة الثالثة من العرب ودولهم وهم الأمم التابعة للعرب بما تضمنه من الدول الإسلامية شرقاً وغرباً لهم ولمن تبعهم من العجم فلنرجع الآن إلى ذكر الطبقة الرابعة من العرب وهم المستعجمة أهل الجيل الناشئ بعد انقراض اللسان المضري ودروسه‏.‏ ونذكر أخبارهم ثم نخرج إلى الكتاب الثالث في أخبار البربر ودولهم فنفرغ بفراغها من الكتاب إن شاء الله تعالى والله ولي العون والتوفيق بمنه وكرمه‏.‏

 العرب المستعجمة الطبقة الرابعة

- من العرب المستعجمة الطبقة الرابعة من العرب المستعجمة أهل الجيل الناشىء لهذا العهد من بقية أهل الدولة الإسلامية من العرب لما استقلت مضر وفرسانها وأنصارها من اليمن بالدولة الإسلامية فيمن تبع دينهم من إخوانهم ربيعة ومن وافقهم من الأحياء اليمنية وغلبوا الملل والأمم على أمورهم وانتزعوا الأمصار من أيديهم وانقلبت أحوالهم من خشونة البداوة وسذاجة الخلافة إلى عز الملك وترف الحضارة ففارقوا الحلل وافترقوا على الثغور البعيدة والأقطار البائنة عن ممالك الإسلام فنزلوا بها حامية ومرابطين عصباً وفرادى‏.‏ وتناقل الملك من عنصر إلى عنصر ومن بيت إلى بيت واستفحل ملكهم في دولة بني أمية وبني العباس من بعدهم بالعراق ثم دولة بني أمية الأخرى بالأندلس وبلغوا من الترف والبذخ ما لم تبلغه دولة من دول العرب والعجم من قبلهم‏.‏ فانقسموا في الدنيا ونبتت أجيالهم في ماء النعيم واسشأثروا مهاد الدعة واستطابوا خفض العيش وطال نومهم في ظل الغرف والسلم حتى ألفوا الحضارة ونسوا عهد البادية وانفلتت من أيديهم الملكة التي نالوا بها الملك وغلبوا الأمم من خشونة الدين وبداوة الأخلاق ومضاء المضرب‏.‏ فاستوت الحامية والرعية لولا الثقافة وتشابه الجند والحضر إلا في الشارة‏.‏ وأنف السلطان من المساهمة في المجد والمشاركة في النسب فجدعوا أنوف المتطاولين إليه من أعياصهم وعشائرهم ووجوه قبائلهم وغضوا من عنان طموحهم واتخذوا البطانة مقرهم من موالي الأعجام وصنائع الدولة حتى كثروا بهم قبيلتهم من العرب الذين‏.‏ أقاموا الدولة ونصروا الملة ودعموا الخلافة وأذاقوهم وبال الخلابة من القهر وساموهم خطة الخسف والذل فأنسوهم ذكر المجد وحلاوة العز وسلبوهم نصرة العصبية حتى صاروا أجزاء على الحامية وخولاً لمن استعبدهم من الخاصة وأوزاعاً متفرقين بين الأمة وصيروا لغيرهم الحل والعقد والإبرام والنقض من الموالي والصنائع فداخلتهم أريحية الغز وحدثوا أنفسهم با لملك فجحدوا الخلفاء وقعدوا بدست الأمر والنهي‏.‏ واندرج العرب أهل الحماية في القهر واختلطوا بالهمج ولم يراجعوا أحوال البداوة لبعدها ولا تذكروا عهد الأنساب لدروسها‏.‏ فدثروا وتلاشوا شأن من قبلهم وبعدهم‏.‏ الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً‏.‏ وكان المولدون لتمهيد قواعد الأمر وبناء أساسه من أول الإسلام والدين والخلافة بعده والملك قبائل من العرب موفورة العدد عزيزة الأحياء‏.‏ فنصروا الإيمان والمة ووطدوا أكناف الخلافة وفتحوا الأمصار والأقاليم وغلبوا عليها الأمم والدول‏.‏ أما من مضر‏:‏ فقريش وكنانة وخزاعة وبنو أسد وهذيل وتميم وغطفان وسليم وهوازن وبطونها من ثقيف وسعد بن بكر وعامر بن صعصعة ومن إليهم من الشعوب والبطون والأفخاذ والعشائر والخلفاء والموالي‏.‏ وأما من ربيعة فبنو تغلب بن وائل وبنو بكر بن وائل وكافة شعوبهم من بني شكر وبني حنيفة وبني عجل وبني ذهل وبني شيبان وتيم ثم بنو النمر من قاسط ثم عبد القيس ومن إليهم‏.‏ وأما من اليمنية ثم من كهلان بن سبأ منهم‏:‏ فأنصار الله الخزرج والأوس أبناء قيلة من شعوب غسان وسائر قبائل الأزد‏.‏ ثم همدان وخثعم وبجيلة ثم مذحج وكافة بطونها من عبس ومراد وزبيد والنخع والأشعريين وبني الحرث بن كعب‏.‏ ثم لحى وبطونها ولخم وبطونها ثم كندة وملوكها‏.‏ وأما من حمير بن سبأ فقضاعة وجميع بطونها ومن إلى هذه القبائل والأفخاذ والعشائر والأحلاف‏.‏ هؤلاء كلهم أنفقتهم الدولة الإسلامية العربية فنبا منهم الثغور القصية وأكلتهم الأقطار المتباعدة واستلحمتهم الوقائع المذكورة فلم يبق منهم حي ولا حلة تنجع ولا عشير يعرف ولا قليل يذكر ولا عاقلة تحمل جناية ولا عصابة لصريخ إلا سمع من ذكر أسمائهم في أنساب أعقاب متفرقين في الأمصار ألوى الخمول بجملتهم فتقطعوا في البلاد ودخلوا بين الناس فامتهنوا واستهينوا وأصبحوا خولاً للأمراء وبهما للذائد وعالة على الحرف‏.‏ وقام بالإسلام والملة غيرهم وصار الملك والأمر في أيدي سواهم وجلبت بضائع العلوم والصنائع إلى غير سوقهم فغلب أعاجم المشرق من الديلم والسلجوقية والأكراد والغز والترك على ملكه ودولته فلم يزل مناقلة فيهم إلى هذا العهد‏.‏ وغلب أعاجم المغرب من زناتة والبربر على أمره أيضاً فلم تزل الدول تتناقل فيهم على ما نذكره بعد إلى هذا العهد‏.‏ وغلب أعاجم المغرب والبربر على أمره وانقرض أكثر الشعوب الذين كان لهم الملك من هؤلاء فلم يبق لهم ذكر‏.‏ وانتبذ بقية هذه الشعوب من هذه الطبقة بالقفار وأقاموا أحياء بادين لم يفارقوا الحلل ولا تركوا البداوة والخشونة فلم يتورطوا في مهلكة الترف ولا غرقوا في بحر النعيم ولا فقدوا في غيابات الأمصار والحضارة ولهذا أنشد شاعرهم‏:‏ فمن ترك الحضارة أعجبته بأي رجال بادية ترانا وقال المتنبي يمدح سيف الدولة ويعرض بذكر العرب الذين أوقع بهم لما كثر عيثهم وفسادهم‏:‏ وكانوا يروعون الملوك بأن بدوا وأن نبتت في الماء بنت الغلافق فهاجوك أهدى في الفلا من نجومه وأبدى بيوتاً من أداحي النقانق وأقامت هذه الأحياء في صحارى الجنوب من الغرب والمشرق بإفريقية ومصر والشام والحجاز والعراق وكرمان كما كان سلفهم من ربيعة ومضر وكهلان في الجاهلية وعتوا وكثروا وانقرض الملك العربي الإسلامي‏.‏ وطرق الدول الهرم الذي هو شأنها واعتز بعض أهل هذا الجيل غرباً وشرقاً فاستعملتهم الدول وولوهم الإمارة على أحيائهم وأقطعوهم في الضاحية والأمصار والتلول وأصبحوا جيلاً في العالم ناشئاً كثروا سائر أهله من العجم‏.‏ ولهم في تلك الإمارة دول فاستحقوا أن تذكر أخبارهم وتلحق بالأجيال من العرب سلفهم‏.‏ ثم إن اللسان المضري الذي وقع به الإعجاز ونزل به القرآن فثوى فيهم وتبدل أعرابه فمالوا إلى العجمة‏.‏ وإن كانت الأوضاع في أصلها صحيحة واستحقوا أن يوصفوا بالعجمة من أجل الأعراب فلذلك قلنا فيهم العرب المستعجمة‏.‏ فلنذكر الآن بقية هؤلاء الشعوب من هذه الطبقة من المغرب والمشرق ونخص منهم أهل الأحياء الناجعة والأقدار النابهة ونلغي المندرجين في غيرهم‏.‏ ثم نرجع إلى ذكر المنتقلين من هذه الطبقة إلى إفريقية والمغرب فنستوعب أخبارهم لأن العرب لم يكن المغرب لهم في الأيام السابقة بوطن وإنما انتقل إليه في أواسط المائة الخامسة أفاريق من بني هلال وسليم اختلطوا في الدول هنالك فكانت أخبارهم من أخبارها لذلك استوعبناها‏.‏ وأما آخر مواطن العرب فكانت برقة وكان فيها بنو قرة بن هلال بن عامر‏.‏ وكان لهم في دول العبيديين أخبار وحكايتهم في الثورة أيام الحاكم والبيعة لأبي ركوة من بني أمية في الأندلس معروفة وقد أشرنا إليها في دولة العبيديين‏.‏ ولما أجاز بنو هلال وسليم إلى المغرب خالطوهم في تلك المواطن ثم ارتحلوا معهم إلى المغرب كما نذكره في دخول العرب إلى إفريقية والمغرب‏.‏ وبقي في مواطنهم ببرقة لهذا العهد أحياء بني جعفر وكان شيخهم أوسط هذه المائة الثامنة أبو ذئب وأخوه حامد بن حميد وهم ينسبون في المغرب تارة في العزة ويزعمون أنهم من بني كعب سليم وتارة في الهيب كذلك وتارة في فزارة والصحيح في نسبهم أنهم من مسراتة إحدى بطون هوارة‏.‏ سمعته من كثير من نسابتهم وبعدهم فيما بين برقة والعقبة الكبيرة أولاد وما بين العقبة الكبيرة والإسكندرية أولاد مقدم وهم بطنان أولاد التركية وأولاد قائد‏.‏ ومقدم وسلام معاً ينسبون إلى لبيد‏.‏ فبعضهم يقول لبيد بن لعتة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر وبعضهم يقول في مقدم‏:‏ مقدم بن عزاز بن كعب بن سليم‏.‏ وذكر لي سلام شيخ أولاد التركية‏:‏ أن أولاد مقدم من ربيعة بن نزار ومع هؤلاء الأحياء حي محارب ينتمون بآل جعفر‏.‏ ويقال إنهم من جعفر بن كلاب وهي رواحة ينتمون بآل زبيد ويقال من جعفر أيضاً‏.‏ والناجعة من هؤلاء الأحياء كلهم ينتمون في شأنهم إلى الواحات من بلاد القبلة‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ ومن غطفان في برقة مهيب ورواحة وفزارة فجعل هؤلاء من غطفان والله أعلم بصحة ذلك‏.‏ وفيما بين الإسكندرية ومصر قبائل رحالة ينتقلون في نواحي البحيرة هنالك ويعمرون أرضها بالسكنى والفلح ويخرجون في المشاتي إلى نواحي العقبة وبرقة من مزانت وهوارة وزنارة إحدى بطون لواتة وعليهم مغارم الفلح‏.‏ ويندرج فيهم أخلاط من العرب والبربر لا يحصون كثرة‏.‏ وبنواحي الصغير قبائل من العرب من بني هلال وبني كلاب من ربيعة‏.‏ وهؤلاء أحياء كثيرة يركبون الخيل ويحملون السلاح ويعمرون الأرض بالفلاحة ويقومون بالخراج للسلطان‏.‏ وبينهم مع ذلك من الحروب والفتن ما ليس يكون بين أحياء القفر‏.‏ وبالصعيد الأعلى من أسوان وما وراءها إلى أرض النوبة إلى بلاد الحبشة قبائل متعددة وأحياء متفرقة كلهم من جهينة إحدى بطون قضاعة ملأوا تلك القفار وغلبوا النوبة على مواطنهم وملكهم وزاحموا الحبشة في بلادهم وشاركوهم في أطرافها‏.‏ والذين يلون أسوان هم يعرفون بأولاد الكنز كان جدهم كنزل الدولة وله مقامات مع الدول مذكورة ونزل معهم في تلك المواطن من أسوان إلى قوص بنو جعفر بن أبي طالب حين غلبهم بنو الحسن على نواحي المدينة وأخرجوهم منها‏.‏ فهم يعرفون بينهم بالشرفاء الجعافرة ويحترفون في غالب أحوالهم بالتجارة‏.‏ وبنواحي مصر من جهة القبلة إلى عقبة أيلة أحياء من جذام جمهورهم من العائد وعليهم درك السابلة بتلك الناحية‏.‏ ولهم على ذلك الأقطاع والعوائد من السلطان‏.‏ ويليهم من جهة الشرق بالكرك ونواحيها أحياء بني عقبة من جذام أيضاً رحالة ناجعة تنتهي رحلتهم إلى المدينة النبوية‏.‏ وعليهم درك السابله فيما يليهم‏.‏ وفيما وراء عقبة أيلة إلى القلزم قبائل من قضاعة ومن القلزم إلى الينبع قبائل من جهينة‏.‏ ومن الينبع إلى بدر ونواحيه من زبيد إحدى بطون مذحج‏.‏ ولهم مع الأمراء بمكة من بني حسن حلف ومواخاة‏.‏ وفيما بين مكة والمهجم مما يلي اليمن قبائل بني شعبة من كنانة‏.‏ وفيما بين الكرك وغزة شرقاً قبائل جذام من قضاعة في جموع وافرة ولهم أمراء أعزة يقطعهم السلطان على العسكر وحفظ السابلة وينجعون في المشاتي إلى معان وما يليها من أسافل نجد مما يلي تيماء وبعدهم في أرض الشام بنو حارثة بن سنبس وآل مراء من ربيعة إخوة آل فضل الملوك على العرب في برية الشام والعراق ونجد‏.‏ وأخبرني بعض أمراء حارثة بن سنبس عن بطون‏.‏ فلنذكر الآن خبر أولاد فضل أمراء الشام والعراق من طيء فنبين أعراب الشام جميعاً‏.‏ آل فضل ودولتهم بالشام والعراق خبر آل فضل وبني مهنا منهم ودولتهم بالشام والعراق هذا الحي من العرب يعرفون بآل فضل وهم رحالة ما بين الشام والجزيرة وبرية نجد من أرض الحجاز ينتقلون هكذا بينها في الرحلتين وينتهون في طيء ومعهم أحياء زبيد وكلب هزنم ومذحج أحلاف لهم باين بعضهم في الغلب والعدد آل مراء‏.‏ ويزعمون أن فضلاً ومراء آل ربيعة ويزعمون أيضاً أن فضلاً ينقسم ولده بين آل مهنا وآل علي وأن آل فضل كلهم كانوا بأرض حوران فغلبهم عليها آل مراء وأخرجوهم منها فنزلوا حمص ونواحيها‏.‏ وأقامت زبيد من أحلافهم بحوران أحلافهم بها حتى الآن لا يفارقونها‏.‏ قالوا‏:‏ ثم اتصل آل فضل باللد من السلطنة وولوهم على أحياء العرب وأقطعوهم على إصلاح السابلة بين الشام والعراق فاستظهروا برئاستهم على آل مراء وغلبوهم على المشاتي فصار عامة رحلتهم في حدود الشام قريباً من التلول والقرى لا ينجعون إلى البرية إلا في الأقل‏.‏ وكانت معهم أحياء من أفاريق الأعراب يندرجون في لفيفهم وحلفهم من مذحج وعامر وزبيد كما كان لآل فضل‏.‏ إلا أن أكثر من كان من آل مراء أولئك الأحياء وأوفرهم عدداً بنو حارثة من إحدى بطون طيء‏.‏ هكذا ذكر الثقة عنهم من رجالاتهم‏.‏ وحارثة هؤلاء متغلبون لهذا العهد في تلول الشام لا يجاوزونها إلى القفار‏.‏ ومواطن طيء بنجد قد اتسعت وكانوا أول خروجهم من اليمن نزلوا جبلي أجأ وسلمى وغلبوا عليهما بني أسد وجاوروهم‏.‏ وكان لهم من المواطن سميراء وفيد من منازل الحاج‏.‏ ثم انقرض بنو أسد وورثت طيء بلادهم فيما وراء الكرخ من أرض غفرو وكذلك ورثوا منازل تميم بأرض نجد فيما بين البصرة والكوفة واليمامة‏.‏ وكذلك ورثوا غطفان ببطن مما يلي وادي القرى‏.‏ هكذا قال ابن سعيد‏.‏ وقال‏:‏ أشهر الحجازيين منهم الآن بنو لام وبنو نبهان والصولة بالحجاز لبني لام بين المدينة والعراق ولهم حلف مع بني الحسين أمراء المدينة‏.‏ قال‏:‏ وبنو صخرمنهم في جهة تيماء بين الشام وخيبر‏.‏ قال‏:‏ وغربة من طيء بنو غربة بن أفلت بن معبد بن معن بن عمرو بن عنبس بن سلامان ومن بعد بلادهم حي الأنمر والأساور ورثوها من عنزة‏.‏ ومنازلهم لهذا العهد في مصايفهم بالكيبات وفي مشاتيهم مع بني لام ومن بطونهم الأجود والبطنين وإخوانهم زبيد نازلون بالموصل فقد جعل ابن سعيد‏:‏ زبيد هؤلاء من بطون طيء ولم يجعلهم من مذحج‏.‏ ورياسة آل فضل في هذا العهد في بني مهنا‏.‏ وينسبونه هكذا‏:‏ كنا بن مايع بن مدسة بن عصية بن فضل بن بدر بن علي بن مفرج بن بدر بن سالم بن قصية بن بدر بن سميع‏.‏ ويقفون عند سميع‏.‏ ويقول زعماؤهم إن سميعاً هذا هو الذي ولدته العباسة أخت الرشيد من جعفر بن يحيى البرمكي‏.‏ وحاشا الله من هذه المقالة في الرشيد وأخته وفي بنات كبراء العرب من طيء إلى موالي العجم من بني برمك وأمثالهم‏.‏ ثم إن الوجود يحيل رياسة مثل هؤلاء على هذا الحي إذا لم يكونوا من نسبهم‏.‏ وقد تقدم مثل ذلك في مقدمات الكتاب‏.‏ وكان مبدأ رياستهم من أول دولة بني يعقوب‏.‏ قال العماد الأصفهاني نزل العادل بمرج دمشق ومعه عيسى بن محمد بن ربيعة شيخ الأعراب في جموع كثيرة‏.‏ وكانت الرئاسة فيهم لعهد الفاطميين لبني جراح من طيء‏.‏ وكان كبيرهم مفرج بن دغفل بن جراح‏.‏ وكان من أقطاعه التي معه وهو الذي قبض على أسكى مولى بني بويه لما انهزم مع مولاه بختيار بالعراق‏.‏ وجاء إلى الشام سنة أربع وستين وثلثمائة وملك دمشق وزحف مع القرامطة لقتال العزيز بن المعز لدين الله صاحب مصر فهزمهم العزيز وهرب أفتكين فلقيه مفرج بن دغفل وجاء به إلى العزيز فأكرمه ورقاه في دولته‏.‏ ولم يزل شأن مفرج هكذا وتوفي سنة أربع وأربعمائة‏.‏ وكان من ولده حسان ومحمود وعلي وجرار‏.‏ وولي حسان بعده وعظم صيته‏.‏ وكان بينه وبين خلفاء الفاطميين معزة واستقامة وهو الذي هزم الرملة وهزم قائدهم باروق التركي وقتله وسبى نساءه وهو الذي مدحه التهامي‏.‏ ويذكر المسمى وغيره أن موطىء دولة العبيديين في قرابة حسان بن مفرج هذا فضل بن ربيعة بن حازم وأخوه بدر بن ربيعة وابنا بدر‏.‏ ولعل فضلاً هذا هو جد آل فضل‏.‏ قال ابن الأثير‏:‏ إن فضل بن ربيعة بن حازم كان آباؤه أصحاب البلقاء والبيت المقدس‏.‏ وكان الفضل تارة مع الفرنج وتارة مع خلفاء مصر‏.‏ ونكره لذلك طغركين أتابك دمشق وكافل بني تتش فطرده من الشام فنزل على صدقة بن مزيد بالحلة وحالفه‏.‏ ووصله صدقة بتسعه آلاف دينار‏.‏ فلما خالف صدقة بن مزيد على السلطان محمد بن ملكشاه سنة خمسمائة وما بعدها ووقعت بينهما الفتنة اجتمع له فضل هذا وقرواش بن شرف الدولة ومسلم بن قريش صاحب الموصل وبعض أمراء التركمان وكانوا كلهم أولياء صدقة فصار في الطلائع بين يدي الحرب‏.‏ وهربوا إلى السلطان فأكرمهم وخلع عليهم وأنزل فضل بن ربيعة بدار صدقة بن مزيد ببغداد حتى إذا سار السلطان لقتال صدقة واستأذنه فضل في الخروج إلى البرية ليأخذ بحجرة صدقة فأذن له وعبر إلى الأنبار فلم يراجع السلطان بعدها كلام ابن الأثير‏.‏ ويظهر من كلامه وكلام المسبحي أن فضلاً هذا وبدراً من آل جراح بلا شك‏.‏ ويظهرمن سياقة هؤلاء نسبهم أن فضلاً هذا هوجدهم لأنهم ينسبونه‏:‏ فضل بن ربيعة بن الجراح‏.‏ فلعل هؤلاء نسبوا ربيعة مفرج الذي هو كبير بني الجراح لبعد العهد وقلة المحافظة على مثل هذا من البادية القفر‏.‏ وأما نسبة هذا الحي من آل فضل بن ربيعة بن فلاح من مفرج في طيء‏:‏ فبعضهم يقول إن الرئاسة في طيء كانت لأياس بن قبيصة من بني سبأ بن عمرو بن الغوث من طيء وأياس هو الذي ملكه كسرى على الحيرة بعد آل المنذر لما قتل النعمان بن المنذر وهو الذي صالح خالد بن الوليد عن الحيرة على الجزية‏.‏ ولم تزل الرئاسة على طيء إلى بني قبيصة هؤلاء صدراً من دولة الإسلام‏.‏ فلعل بني الجراح وآل فضل هؤلاء من أعقابهم وإن كان انقرض أعقابهم فهم من أقرب الحي إليهم لأن الرئاسة على الأحياء والشعوب إنما تتصل في أهل العصبية والنسب كما مر أول الكتاب‏.‏ وقال ابن حزم عندما ذكر أنساب طيء وأنهم لما خرجوا من اليمن مع بني أسد نزلوا جبلي أجأ وسلمى وأوطنوهما وما بينهما ونزل بنو أسد ما بينهم وبين العراق‏.‏ وفضل كثير منهم وهم‏:‏ بنو حارثة نسبة إلى أمهم وتيم الله وحبيش والأسعد إخوتهم رحلوا عن الجبلين في حرب الفساد فلحقوا بحلب وحاضر طيء وأوطنوا تلك البلاد إلا بني رومان بن جندب بن خارجة بن سعد فإنهم أقاموا بالجبلين فكانوا جبلين ولأهل حلب وحاضرطيء من بني خارجة السهيليون‏.‏ فلعل هذه الأحياء الذين بالشام من بني الجراح وآل فضل من بني خارجة هؤلاء الذين ذكر ابن حزم أنهم انتقلوا إلى حلب وحاضر طيء لأن هذا الموطن أقرب إلى مواطنهم لهذا العهد من مواطن بني الجراح بفلسطين من جبلي أجأ وسلمى الذي هو موضع الآخرين‏.‏ فالله أعلم أي ذلك يصح من أنسابهم‏.‏ وتحت خفارتهم بنواحي الفرات ابن كلاب بن ربيعة بن عامر دخلوا مع قبائل عامر بن صعصعة من نجد إلى الجزيرة‏.‏ ولما افترق بنو عامر على الممالك الإسلامية اختص هؤلاء بنواحي حلب وملكها منهم بنو صالح بن مرداس من بني عمرو بن كلاب‏.‏ ثم تلاشى ملكهم ورجعوا عنها إلى الأحياء وأقاموا بالفرات تحت خفارة هؤلاء الأمراء من طيء‏.‏ وأما ترتيب رئاستهم على العرب بالشام والعراق منذ دولة بني أيوب العادل وإلى هذا العهد وهو آخر ست وتسعين وسبعمائة فقد ذكرنا ذلك في دولة الترك ملوك مصر والشام وذكرناهم واحداً بعد واحد على ترتيبهم‏.‏ وسنذكرهم ههنا على ذلك الترتيب فنقول‏:‏ كان الأمير لعهد بني أيوب عيسى بن محمد بن ربيعة أيام العادل كما كان بعده حسام الدين مانع بن حارثة مصر والشام‏.‏ وفي سنة ثلاثين وستمائة ولي عليهم بعده ابنه مهنا‏.‏ ولما ارتجع قطز بن فضل أحد ملوك الترك بمصر والشام من أيدي التتر وهزمهم بعين جالوت أقطع سلمية لمهنا بن مانع وانتزعها من عمل المنصور بن مظفر بن شاهنشاه صاحب حماة ولم أقف على تاريخ وفاة مهنا‏.‏ ثم ولي الظاهر على أحياء العرب بالشام عندما استفحل ملك الترك‏.‏ وسار إلى دمشق لتشييع الخليفة الحاكم عم المستعصم إلى بغداد عيسى بن مهنا بن مانع وجر له الإقطاعات على حفظ السابلة وحبس ابن عمه زامل بن علي بن ربيعة من آل فضل على سعايته وإغرامه‏.‏ ولم يزل يغير على أحياء العرب وصلحوا في أيامه لأنه خالف أباه في الشدة عليهم وهرب إليه سنقر الأشقر سنة تسع وسبعين وكاتبوا أبغا واستحثوه لملك الشام‏.‏ وتوفي عيسى بن مهنا سنة أربم وثمانين فولى المنصور قلاوون من بعده ابنه مهنا‏.‏ ثم سار الأشرف بن قلاوون إلى الشام ونزل حمص ووفد عليه مهنا بن عيسى في جماعة من قومه فقبض عليه وعلى ابنه موسى وإخوته محمد وفضل ابني مهنا‏.‏ وبعث بهم إلى مصر فحبسوا بها حتى أفرج عنهم العادل كتبغا عندما جلس على التخت سنة أربع وتسعين ورجع إلى إمارته‏.‏ وكان له في أيام الناصر نصرة واستقامة وميلة إلى ملوك التتر بالعراق ولم يحضر شيئاً من وقائع غازان‏.‏ ولما انتقض قراسنقر وأقوش الأفرم وأصحابهما سنة عشر وسبعمائة لحقوا به وساروا من عنده إلى خربندا واستوحش هو من السلطان وأقام في أحيائه منقبضاً عن الوفادة‏.‏ ووفد أخوه فضل سنة اثنتي عشرة فرعى له حق وفادته وولاه على العرب مكان أخيه مهنا وبقي مهنا مشرداً‏.‏ ثم لحق سنة ست عشرة بخربندا ملك التتر فأكرمه وأقطعه بالعراق‏.‏ وهلك خربندا في تلك السنة فرجع مهنا إلى أحيائه‏.‏ ووفد ابنه أحمد وموسى وأخوه محمد بن عيسى مستعتبين على الناصر ومتطارحين عليه فأكرم وفادتهم وأنزلهم بالقصر الأبلق وشملهم بالإحسان وأعتب مهنا ورده إلى إمارته وأقطاعه وذلك سنة سبع عشرة‏.‏ وحج هذه السنة ابنه عيسى وأخوه محمد وجماعة من آل فضل في اثني عشر ألف راحلة‏.‏ ثم رجع مهنا إلى دينه في ممالأة التتر والأجلاب على الشام‏.‏ واتصل ذلك منه فنقم السلطان عليه وسخط عليه قومه أجمع‏.‏ وتقدم إلى نواب الشام سنة عشرين بعد مرجعه من الحج فطرد آل فضل عن البلاد وأدال منهم مالكاً على عدالته بينهم وولى منهم على أحياء العرب محمد بن أبي بكر وصرف أقطاع مهنا وولده إلى محمد وولده فأقام مهنا على ذلك مدة‏.‏ ثم وفد سنة إحدى وثلاثين مع الأفضل بن المؤيد صاحب حماة متوسلاً به ومتطارحاً على السلطان فأقبل عليه ورد عليه أقطاعه وأمارته‏.‏ وذكر لي بعض أمراء الكبراء بمصر ممن أدرك وفادته أو حدث بها‏:‏ أنه تجافى في هذه الوفادة من قبول شيء من السلطان حتى أنه ساق عنده النياق الحلوبة والعراب وأنه لم يغش باب أحد من أرباب الدولة ولا سأل منهم شيئاً من حاجاته ثم رجع إلى أحيائه وتوفي في سنة أربع وثلاثين فولي ابنه مظفر الدين موسى وتوفي سنة اثنتين وأربعين عقب مهلك الناصر وولي مكانه أخوه سليمان‏.‏ ثم هلك سليمان سنة ثلاث وأربعين فولي مكانه شرف الدين عيسى ابن عمه فضل بن عيسى‏.‏ ثم توفي سنة أربع وأربعين بالقريتين ودفن عند قبر خالد بن الوليد‏.‏ وولي مكانه أخوه سيف بن فضل ثم عزله السلطان بمصر الكامل ابن الناصر سنة ست وأربعين وولي مكانه أحمد بن مهنا بن عيسى‏.‏ ثم جمع سيف بن فضل ولقيه فياض بن مهنا بن عيسى وانهزم سيف‏.‏ ثم ولي السلطان حسن الناصر في دولته الأولى وهو في كفالة بيبغاروس أحمد بن مهنا فسكنت الفتنة بينهم‏.‏ ثم توفي سنة سبع وأربعين فولي مكانه أخوه فياض وهلك سنة تسع وأربعين وولي مكانه أخوه خيار بن مهنا ولاه حسن الناصر في دولته الثانية‏.‏ ثم انتقض سنة خمس وستين وأقام سنتين بالقصر عاصياً إلى أن شفع فيه نائب حماة فأعيد إلى أمارته‏.‏ ثم انتقض سنة سبعين فولى السلطان الأشرف مكانه ابن عمه زامل بن موسى بن عيسى‏:‏ وجاء إلى نواحي حلب واجتمع إليه بنو كلاب وغيرهم وعاثوا في البلاد وعلى حلب يومئذ قشتمر المنصوري فبرز إليهم وانتهى إلى خيمهم واستاق نعمهم وتخطى إلى الخيام فاستجاشوا بها وهزموا عساكره وقتل قشتمر ابنه في المعركة تولى هو قتله بيده وذهب إلى القفر منتقضاً‏.‏ فولى الأشرف مكانه ابن عمه معيقل بن فضل بن عيسى‏.‏ ثم بعث معيقل صاحبه سنة إحدى وسبعين يستأمن لخيار فأمنه‏.‏ ثم وفد خيار بن مهنا سنة خمس وسبعين فرضي عنه السلطان وأعاده إلى أمارته‏.‏ ثم توفي سنة سبع وسبعين فولي أخوه مالك إلى أن هلك سنة إحدى وثمانين فولي مكانه معيقل بن موسى بن عيسى وابن مهنا شريكين في أمارتهما‏.‏ ثم عزلا لسنة وولى نعير بن خيار بن مهنا واسمه محمد وهو لهذا العهد أمير على آل فضل وجميع أحياء طيء بالشام‏.‏

 والسلطان الظاهر لعهده يزاحمه بمحمد بن عمه قاري‏.‏

ثم وصل انتقاضه على السلطان وخلافه وظاهر السلطان على موالاة محمد بن قاري فسخطه وولى مكانهما ابن عمهما محمد بن كوكتين ابن عمه موسى بن عساف بن مهنا فقام بأمر العرب وبقي نعير منتبذاً بالقفر وعجز عن الميرة لقلة ما بيده واختلت أحواله وهو على ذلك لهذا العهد والله ولي الأمور ولا رب سواه‏.‏ ولنرجع إلى من بقي من شعوب هذه الطبقة فنقول‏:‏ كان بنو عامر بن صعصعة كلهم بنجد وبنو كلاب في خناصرة والربذة من جهات المدينة وكعب بن ربيعة فيما بين تهامة والمدينة وأرض الشام‏.‏ وبنو هلال بن عامر في بسائط الطائف ما بينه وبين جبل غزوان‏.‏ ونمير بن حامد معهم‏.‏ وجشم محسوبون منهم بنجد‏.‏ وانتقلوا كلهم في الإسلام إلى الجزيرة الفراتية فملك نمير حران ونواحيها‏.‏ وأقام بنو هلال بالشام إلى أن ظعنوا إلى المغرب كما نذكر في أخبارهم‏.‏ وبقي منهم بقية بجبل بني هلال المشهور بهم الذي فيه قلعة صرخد‏.‏ وأكثرهم اليوم يتعاطون الفلح‏.‏ وبنو كلاب بن ربيعة ملكوا أرض حلب ومدينتها كما ذكرناه‏.‏ وبنو كعب بن ربيعة دخلت إلى الشام منهم قبائل عقيل وقشير وجريش وجعدة فانقرض الثلاثة في دولة الإسلام ولم يبق إلا بنو عقيل‏.‏ وذكر ابن حزم‏:‏ أن عددهم يفي عدد جميع مضر‏.‏ فملك منهم الموصل بنو مالك بني حمدان وتغلب‏.‏ واستولوا عليها وعلى نواحيها وعلى حلب معها‏.‏ ثم انقرض ملكهم ورجعوا للبادية وورثوا مواطن العرب في كل جهة‏.‏ فمنهم بنو المنتفق بن عامر بن عقيل وكان بنو مالك بن عقيل في أرض تيماء من نجد وهم الآن بجهات البصرة في الآجام التي بينها وبين الكوفة المعروفة بالبطائح والإمارة منهم في بني معروف‏.‏ وبالمغرب من بني المنتفق أحياء دخلوا مع هلال بن عامر يعرفون بالخلط ومواطنهم بالمغرب الأقصى ما بين فاس ومراكش‏.‏ وقال الجرجاني‏:‏ إن بني المنتفق كلهم يعرفون بالخلط ويليهم في جنوب البصرة إخوتهم بنو عامر بن عوف بن مالك بن عوف بن عامر وعوف أخو المنتفق قد غلبوا على البحرين وغمارة وملكوها من يدي أبي الحسين الأصغر بن تغلب‏.‏ وكانت هذه المواطن للأزد وبني تميم وعبد القيس فورث هؤلاء أرضهم فيها وديارهم‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وملكوا أيضاً أرض اليمامة من بني كلاب وكان ملوكهم فيها لعهد الخمسين والستمائة بنو عصفور‏.‏ وكان من بني عقيل خفاجة بن عمرو بن عقيل كان انتقالهم إلى العراق فأقاموا به وملكوا ضواحيه وكانت لهم مقامات وذكر وهم أصحاب صولة وكثرة وهم الآن ما بين دجلة والفرات‏.‏ ومن عقيل هؤلاء بنو عبادة بن عقيل ومنهم الأجافل لأن عبادة كان يعرف بالأجفل‏.‏ وهم لهذا العهد بالعراق مع بني المنتفق‏.‏ وفي البطايح التي بين البصرة والكوفة وواسط الامارة فيهم على ما يبلغنا لرجل اسمه قيان بن صالح وهو في عدد ومنعة‏.‏ وما أدري أهو من بني معروف أمراء البطائح بني المنتفق أو من عبادة الأخائل‏.‏ هذه أحوال بني عامر بن صعصعة فأما بنو كهلان فلم يبق لهم أحياء فيما يسمع‏.‏ وأما ربيعة فأجازوا بلاد فارس وكرمان فهم ينتجعون هنالك ما بين كرمان وخراسان‏.‏ وبقيت بالعراق منهم طائفة ينزلون البطائح وانتسب إلى الكوفة منهم بنو صباح ومعهم لفائف من الأوس والخزرج‏.‏ فأمير ربيعة اسمه الشيخ ولي وعلى الأوس والخزرج طاهر بن خضر منهم هذه شعوب الطبقة الثالثة من العرب لهذا العهد في ديار المشرق بما أدى إليه الإمكان‏.‏ ونحن الآن نذكر شعوبهم الذين انتقلوا إلى المغرب‏:‏ فإن أمة العرب لم يكن لهم إلمام قط بالمغرب لا في الجاهلية ولا في الإسلام لأن أمة البربر الذين كانوا به كانوا يمانعون عليه الأمم‏.‏ وقد غزاه أفريقش بن ضبيع الذي سميت به إفريقية من ملوك التبابعة وملكها‏.‏ ثم رجع عنها وترك كتامة وصنهاجة من قبائل حمير فاستحالت طبيعتهم إلى البربر واندرجوا في عدادهم وذهب ملك العرب منهم‏.‏ ثم جاءت الملة الإسلامية وظهر العرب على سائر الأمم بظهور الدين فسارت عساكرهم في المغرب وافتتحوا سائر أمصاره ومدنه وعانوا من حروب البربر شدة‏.‏ وقد تقدم لنا ما ذكره ابن أبي زيد من أنهم ارتدوا اثنتي عشر مرة‏.‏ ثم رسخ فيهم الإسلام ولم يسكنوا بأجيالهم في الخيام ولا نزلوا أحياء لأن الملك الذي حصل لهم يمنعهم من سكنى الضاحية ويعدل بهم إلى المدن الأمصار‏.‏ فلهذا قلنا إن العرب لم يوطنوا بلاد المغرب‏.‏ ثم أنهم دخلوا إليه في منتصف المائة الخامسة وأوطنوه وافترقوا بأحيائهم وحللهم في جهاته كما نذكر الآن ونستوعب أسبابه‏.‏